عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية (الجزء الثاني)
165566 مشاهدة
السفر الذي فيه الرخص هو ما لا يقطع إلا بمشقة

س 177- أعمل طبيبا في إحدى القرى، وكثيرا ما يرسلني عملي للقيام بزيارات إلى القرى والهجر المجاورة، لعلاج أهلها، لعدم وجود طبيب عندهم، وأجلس هناك بضعة أيام، والمسافة تختلف ما بين 40- 90 كم، فهل أنا في هذه الحالة أعتبر مسافرا ولي أحكام السفر من ناحية قصر الصلاة والمسح على الخفين والصيام.. إلخ أم لا؟ علما أني لست أقيم في قرية أو هجرة واحدة، بل اليوم هنا وغدا هناك؟

جـ- اعلم أن السفر الذي فيه الرخص هو ما لا يقطع إلا بمشقة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله متفق عليه ثم إن الرخصة فيه لأجل المشقة التي يلاقيها المسافر، كما ذكر في هذا الحديث، ولقوله تعالى في آية الصيام: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فجعل السبب في الرخصة لهم في الإفطار هو اليسر ودفع العسر الذي يلاقونه في أسفارهم تلك القرون، فقد كانوا يسيرون في الشمس الحارة، سواء كانوا ركبانا أو مشاة، فإذا نزلوا احتاجوا إلى حط الرحال، وسقي الدواب من أعماق الآبار، وإصلاح الظل، وجمع الحطب، وإيقاد النار، وإصلاح الطعام ونحو ذلك من الصعوبات التي لأجلها رخص لهم عدة رخص رفقا بهم.
ثم إن الفقهاء قد اختلفوا في مسافة القصر، أي التي إذا سار إليها قصر وترخص، فقال بعضهم: إنها أربعة برد، أي: ستة عشر فرسخا، وكانت تقطع بسير الأثقال في يومين قاصدين وحددها بعضهم بيوم وليلة فأكثر. وقيل: ما يحتاج فيه إلى زاد ومزاد، أي: حمل طعام وشراب، وقدره بعضهم بثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنها تقدر بالزمان لا بالمسافة، حيث قال ما معناه: إن من قطع مسافة قصيرة في زمن طويل فهو مسافر، ومن قطع مسافة طويلة في زمن قصير فليس بمسافر.
فلو ركب رجل فرسا سابقا وقطع مسافة طويلة ثم رجع في يومه فلا يسمى مسافرا، ولا يفتقده الجيران، ولا يقصد للسلام عليه، لقلة غيبته، فعلى هذا القول وبعد وجود السيارات والطائرات يقل الترخص بالقصر والفطر والجمع، فإنه قد يخرج من الرياض إلى القصيم أو إلى الأحساء وربما إلى العراق أو إلى الشام ويرجع في يومه أو في ليلته، فلا يسمى مسافرا على هذا القول، وهو وجيه لقصر الزمان ولقلة المشقة، وقد يخرج عن بلده مسيرة ثلاثة فراسخ، ويقيم خارج البلد في برية أو في خيمة مدة ثلاثة أيام أو أربعة، فله القصر، ولو مع قِصَر المسافة مع أن العلة في الترخص هو التخفيف واليسر، وهذا المسافر عادة يلاقي صعوبة ومشقة، ولأنه غائب عن أهله عدة أيام فله حكم السفر.
وقد وردت الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاءه كانوا يقصرون في السفر منذ خروجهم إلى رجوعهم، لكن السفر في تلك الأزمنة لا يخلو من مشقة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن القصر في السفر جائز غير واجب، لقوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فجعل من أسباب القصر خوفكم من الكفار ونفى الحرج عمن قصر، وهو دليل على أن القصر رخصة، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته فدل على أن القصر رخصة وتيسير على العباد.
فأما الإقامة فإن أكثر الفقهاء حددوها بأربعة أيام، فله القصر فيها إذا عزم على الإقامة، فمن أقام أكثر منها فإنه يتم الرباعية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام بالأبطح أربعة أيام يقصر وبمنى أربعة أيام يقصر. وأما إقامته زمن الفتح أكثر وإقامته بتبوك عشرين يوما فاعتذروا بأنه لم يعزم على الإقامة، بل ينتظر وقت ما يؤذن له في الرحيل، ولعل الصواب أنه في حكم المسافر، فإنه نزل خارج البلد هو ومن معه ليسوا في قصور ولا منازل معتادة، ظلهم الشجر والكهوف وقباب من أدم صغيرة أو خيام صغيرة، يلاقون حر الشمس وبرد الشتاء، يلاقون مشقة السفر، فترخصوا، فنحن نقول: من كان مثلهم سكن خارج البلد في خيمة أو غار أو في ظل سيارته يأكل خارج البلد وينام هناك، فله حكم السفر ولو بقي أشهرا، أما من استقر في داخل البلد وسكن في منازل المقيمين وتمتع بما يتمتعون به من الظل والتكييف والتهوية والفرش والسرر والأنوار والخدمة التامة وإصلاح الطعام وإحضار ما يشتهيه، فلا أرى له الترخص، لا سيما وهو يسمع صوت المؤذن والمساجد بقربه، فلا حق له أن يصلي وحده ويترك الجماعة ويتعلل بأنه مسافر مع أنه لا فرق بينه وبين المقيمين، والله أعلم.